كثيرًا ما يشكو الآباء والأمهات عدمَ قدرتهم
على الدخول لعالم أبنائهم الخاص، فالطفل يخفي تفاصيل ما يحدث معه في المدرسة وفي أوقات
اللعب مع أقرانه، ويخفي مشاعره تجاه كثير من الأمور، أضف إلى ذلك امتناعه عن البوح
بما يفكر فيه في أغلب الأوقات، يحدث ذلك في الوقت الذي يسعى فيه الأبوان جاهديْن للتعرف
على مكنونات الطفل، ولكن كلما فتحا بابًا للنقاش أوصده بسكوته المطبق.. فهل الطفل كتومٌ
حقًا, أم ثمّة سبب يدفعه لذلك؟.
بأساليب مختلفة
"أمينة عثمان" أم لأربعة بنات،
تقول: "أكبر بناتي في الصف السادس، وأصغرهن ما تزال في مرحلة (التمهيدي)، ولكل
منهن نمطها الخاص فيما يتعلق بالبوح عمّا بداخلها، رغم حرصي على معرفة ما يجري معهن
جميعًا".
وتضيف: "كونهن بنات، فخشيتي عليهن
كبيرة، وأرى أنه من المهم جدًا أن أعرف كل ما يحصل معهن خارج البيت، إضافة إلى معرفة
مشاعرهن وما يفكرن به، لكن هذا لا يحدث دومًا"، متابعة: "تتفاوت استجابة
كل منهن لرغبتي بالمعرفة، فالكبيرة _مثلًا_ أكاد لا أعرف عنها شيئًا، رغم أني أسعى
لمعرفة ما يدور بعقلها بطرق مباشرة وغير مباشرة، حتى أنني أغريها بالمكافآت أحيانًا
إذا باحت لي بما في داخلها، لكنها كتومة بدرجة شديدة".
من جانبها، تقول "نهال عيد":
"أعتمد على الجلسات العائلية اليومية في معرفة ما يحدث مع أبنائي الخمسة، وغالبًا
ما يكون الحديث عن مجريات يومهم في إطار أقرب لعلاقة الصداقة، وأبتعد تمامًا عن أسلوب
الاستجواب حتى لا يشعر الواحد منهم أنه في تحقيق وأن ما لديه أسرارًا مهمة يجب الاحتفاظ
بها".
وتضيف: "أحيانًا يتحفظ بعضهم عن الحديث
عما يرونه إساءة لهم، كأن يكون أستاذًا قد ضربهم، أو زميلًا أهانهم، ولكن من خبرتي
بأبنائي أعرف كيف أستدرجهم في النقاش لأصل بهم لمصارحتي بكل شيء".
نقاشٌ لا رقابة
وتعقيبًا على ذلك، تقول الأخصائية النفسية
سمر قويدر: إن "من المهم أن يحرص الأبوان على معرفة مجريات يوم ابنهما، ومشاعره،
وما يفكر فيه، وأن يشاركاه النقاش في هذه الأمور ويوجهاه، ويساعداه في حل مشكلاته،
وهذا الأمر سيشعر الطفل باهتمام أهله به ومساندتهم له، وكذلك سيجعل من السهل على الأبوين
ملاحظة التغيرات على الطفل ومعرفة السبب ومنحه الأمان، ويمكنهما ذلك من توجيه ابنهما
بالنقاش بعيدًا عن القوة والعنف، إضافة إلى أنهما يبنيان علاقة معه يكونا بفعلها أقرب
الناس له".
وتضيف لـ"فلسطين": "على
قدر أهمية معرفة ما في نفس الطفل، إلا أن هذا لا يعني ممارسة دور الرقيب عليه، فإذا
شعر الطفل أنه مُراقب لن يشعر براحة تدفعه للحديث معهما بصراحة، وقد يلجأ للآخرين للتعبير
عمّا بداخله".
وتوضح قويدر أن حديث الطفل لأبويه لا يمكن
أن يكون وليد اللحظة التي يقرر فيها الأبوان معرفة ما بداخل ابنهما، وإنما يأتي هذا
السلوك نتاجًا لنهج الأب والأم على مدار سنوات التربية، وتحت تأثير الحالة العامة للأسرة
وطريقة التعامل مع الابن.
وتبيّن: "من بداية العملية التربوية،
يجب أن يحرص الأبوان على أن يكونا أقرب شخصين للطفل، وأن يكون النقاش معه بشكل يومي
حتى وإن لم تكن التفاصيل مهمّة، وليس فقط عندما يطرأ عليه تغير ما، فهو إذا لم يعتد
على الحديث والمصارحة في الأوقات العادية، فمن الصعب أن يبوح بما لديه في الأوقات التي
يطلب فيها الأهل ذلك".
وتشير إلى أن من أسباب سكوت الطفل، حتى
إذا حاول الأبوان دفعه للحديث، هو انشغالهما عنه وقلة الوقت الذي يمنحانه له، والتباعد
بين الأهل والابن بشكل عام، وعدم تعويده على التعبير عمّا بداخله لهما، وكذلك العنف
والعدوانية في سلوك الأب والأم تجاه الطفل أحيانًا، وينتج عن ذلك خوفه وتفضيله للسكوت.
وتلفت إلى أن "طريقة الأبوين في طرح
السؤال على الطفل قد تكون سببًا في منعه من الحديث، كأن يشعر أنهما يستجوبانه، إلى
جانب تبعات النقاش، فإذا وجد الطفل لومًا وعقابًا من الأهل على خطأ صارحهما به، فسيتجنب
تكرار التجربة، لذا يجب أن يشعر بالأمان عند الحديث، وأن يحصل على المساعدة لا اللوم"،
مؤكدة: "قد يبذل الأبوان جهدًا كبيرًا في فتح أبواب النقاش مع الطفل دون جدوى،
وهذا يعود لطبيعة أن النقاش لا يمكن أن يكون بمعزل عن علاقته مع والديه وعن الحالة
العامة للأسرة".
وتقول قويدر: إن طرح الأسئلة بشكل مباشر
ليس هو الأسلوب الأمثل دومًا، وإنما يمكن استخدام طرق أخرى للتحايل على سكوت الطفل،
كأن يتحدث الأبوان معه عن بعض التفاصيل التي حدثت معهما خلال اليوم، فيتشجع لمشاركة
ما مرّ به هو أيضًا، وكذلك يمكن سرد بعض القصص لرصد رد فعله الذي ينم عمّا بداخله،
أو ممارسة نشاطات أخرى مثل الرسم الذي يمكن أن يعبر من خلاله عن شيء ما.
وتضيف: "عند الحديث عمّا حصل مع الطفل
خلال اليوم، يجب عدم التركيز على الجانب السلبي فقط وإغفال الإيجابيات، وإنما لا بد
من معرفة الإيجابيات والتفاعل معه وتعزيزها".
إرسال تعليق